الــمـــــدد
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
- الصاعقالاعضاء النشطاء
- عدد المساهمات : 174
تاريخ التسجيل : 02/01/2014
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رحمة
كثر في الأونة الأخيرة إخراج أهل التصوف من الملَّة لألفاظ خاصة بهم ولكي يزول هذا اللبس وجدت في الموسوعة اليوسفية بياناً واضحاً لهذه المعاني والألفاظ ونبدأ بلفظ مدد
المـــــــــــدد
معنى لفظ المـــــــــــــــــدد
يختلف معنى لفظ (مــدد) باختلاف نية قائلها
وورد في لسان العرب عن معنى كلمة مدد : مددنا القوم أي صرنا لهم أنصاراً ومدداً.
وأمدَّ الأمير جنده بالخيل والرجال وأعانهم وأمدهم بمال كثير وأغناهم
والمدد ُ: العساكر التي تلحق بالمغازي في سبيل الله والإمداد أن يرسل الرجل مدداً
وقال الإمام الفيومي رحمه الله تعالى : أمدته بمدد :أعنته وقويته به
فإذا قال المسلم :"مدد يا الله " أي أعني وأمدّني بقوتك وانصرني على عدوّك وزدني بالرحمات والبركات وأمدني بالمقدرة على طاعتك ومحاربة نفسي وشيطاني
وأما إذا قال :" مدد يا أولياء الله فمعناه : علِّمونا مما علمكم الله وأمدونا مما أمدكم الله سبحانه وتعالى به من العلوم والعرفان وساعدونا بما ينفعنا لسيرنا وأرشدونا في سلوكنا إلى محبة الله بإذن الله وما كان هذا إلا لأن أكثر العباد فقدوا من يدربهم ويؤدبهم بالإسلام وبأخلاق سيد الأنام صلى الله عليه وسلم لذلك فإنهم بحاجة إلى من يعينهم ويمدهم بالعلم ويعلمهم أدب طريقة السير والسلوك والمدد بالمعنى الذي ذكرناه موجود حساً ومعنىً في حياتنا فلا يستطيع أحد أن ينكر أن الإنسان يستعين بوسائط النقل كالسيارة والطيارة والباخرة والقطار لقضاء الحوائج الدنيوية والانتقال بواستطها من بلد إلى آخر لايصل إليه الإنسان بدونها إلا بشق الأنفس
هذا وإن البحارة والطيارين يستدلون على وجهة سفرهم بحراً وجواً بواسطة قطعة معدنية يقال لها البوصلة ترشدهم إلى الجهة المطلوبة ولا ينكر هذا ! فهل الاستعانة بالمعدن تخرج عن الملة ؟! وهل تُرفض مساعدة ثمينة يقدمها إلينا من له خبرة في سلوك طريق محبة الله المحفوفة بشتى أنواع المخاطر للوصول من خلال ذلك المدد وتلك المساعدة بلا مشقة ولاتعب .. علماً بأن أقل الأعداء في هذا الطريق النفس والشيطان والهوى؟!
ومن هنا يظهر لنا أن الإنسان بحاجة إلى الاستعانة بأشياء كثيرة من مخلوقات الله لتمده بمدد قد سخره الله له على أيدي خلقه ومصنوعاتهم من أي نوع كانت وهناك فرق بين مدد الخالق سبحانه وتعالى ومدد المخلوق فكلمة مدد تأتي بمعنى المساعدة والمعاونة وهي مستحبة في كل أنواع البِّر بجميع الطرق التي أجازها الشرع الحنيف فاستعانة الناس بعضهم ببعض في الأمور لامفر منها ولا غنى عنها والإنسان مأمور بها لاسيما في أمور البر والتقوى فقد قال الله تعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٢﴾من المائدة
فالتعاون بين الخلائق هو المدد أي المساعدة ونصرة بعضهم لبعض فلو طلب الإنسان من بني جنسه الإمداد فليس بمعنى أنه يطلب منه كما يطلب من ربه ولكن بالمدد والقدرة التي أمده الله بها
والإمداد بالمعنى المذكور على قسمين :
القسم الأول :هو مدد صرف من الله سبحانه وتعالى وهو ما لايتم على الحقيقة إلا منه ولا تكون الإغاثة للخلق إلا به سبحانه وتعالى
قال تعالى : كُلًّا نُّمِدُّ هَـٰؤُلَاءِ وَهَـٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴿٢٠﴾ الاسراء
والمعنى كما قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى :
نزيده من عطائنا على تلاحق من غير انقطاع نرزق المؤمنين والكفار وأهل الطاعة وأهل المعصية (فتح القدير)
القسم الثاني : وهو ما يجريه الله سبحانه وتعالى على يد ملائكته الكرام بما آتاهم الله من القوة والأسرار وعلى يد أنبيائه عليهم الصلاة والسلام بواسطة المعجزات وعلى يد أوليائه بطريق الكرامات
والفرق جلي وواضح جداً
وهو أن الله سبحانه يمد من يشاء من عباده من خزائن فضله ورحمته بالمعونة والإغاثة والنصرة على الكفار والمشركين متى شاء وكيفما شاء ولا يتوقف عطاؤه تعالى على إذن أحد أو رضاه وهو بالحقيقة مستمد من إمداد الله تعالى والأمثلة على ذلك كثيرة جداً
وقد جعل الله تعالى في هذه الدنيا ملائكة لهم وظائف وأعمال ظاهرية وباطنية يخدمون بها خلق الله تعالى بما أمرهم به الله
قال الإمام الرازي رحمه الله تعالى في تفسيره للآية الكريمة: مِّنَ اللَّـهِ ذِي الْمَعَارِجِ ﴿٣﴾ سورة المعارج
"وعندي فيه وجه رابع وهو أن هذه السماوات كما أنها متفاوتة في الارتفاع والانخفاض والكبر والصغر وقوتها وشدة القوة على تدبر هذا العالم 0أي بحسب أمر الله تعالى لها) فلعل نور إنعام الله وأثر فيض رحمته لايصل إلى هذا العالم إلا بواسطة تلك الأرواح إما على سبيل العادة أو لا "
من تفسير الفخر الرازي
وقال أيضاً رحمه الله تعالى في تفسير قول الله تعالى :
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ١٦4 الصافات
وهذا يدل على أن لكل واحد منهم مرتبة لايتجاوزها ودرجة لايتعدى عنها وتلك الدرجات إشارة إلى درجاتهم في التصرف في أجسام هذا العالم (تفسير الفخر الرازي)
ولقد سخر الله ملائكة لمعرفة وكتابة افعال العباد بأمر منه جلّ وعلا وهو في الوقت نفسه ينسب المعرفة والكتابة لنفسه قائلاً سبحانه إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴿١٢﴾ سورة يس
قال الإمام الطبراني رضي الله عنه :"أي ونكتب ما قدموا في الدنيا من خير وشر ومن صالح الأعمال وسيئها"
وقال تعالى في حق الملائكة مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴿١٨﴾ سورة ق
وسخرهم أيضاً لحفظ العباد وكذلك نسب الحفظ لذاته سبحانه وتعالى فقال: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ ۗ الرعد11
وقال سبحانه وتعالى أيضاً في حق الملائكة وَاللَّـهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ۚ النحل 70
وسخر ملك الموت لقبض الأرواح وفي نفس الوقت نسب أيضاً ذلك لنفسه فقال: قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴿١١ )السجدة
فالفعل في هذه الآية راجع لملك الموت بأمر الله تعالى وإذنه سبحانه
وعلى هذا فإن الله تعالى قد أمد الملائكة بأسرار يحفظون بها عباد الله بتسخير منه عزوجل فهو فعال لما يريد فمهما ظهر من الملائكة الكرام من عجائب وغرائب لايكون ذلك منهم على الحقيقة فهم مسخرون بأمر الله فقد قال عنهم ربنا تعالى : لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴿٦ )التحريم
وقد جعل الله تعالى في هذه الدنيا لخلقه ما جعل للملائكة الكرام عليهم السلام من وظائف وأعمال ظاهرية وباطنية وزودهم بإمدادات وقدرات نورانية فقد أكرم الله أنبيائه ورسله وأولياءه بشيء من الأسرار التي تجعلهم قائمين بها على نصرة دين الله ويمدون يها من شاؤوا بإذن ربهم ورضاه لإقامة دين الله جل جلاله
وقال الإمام البيهقي رحمه الله تعالى في تفسير قول الله سبحانه وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ 255 البقرة
أي لايعلمون من علمه إلا ما شاء أن يعلمهم إياه بتعليمه (الأسماء والصفات للبيهقي)
وقال البغوي رحمه الله تعالى في تفسير قوله سبحانه وتعالى في حق سيدنا الخضر عليه السلام وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا الكهف 65
أي علم الباطن إلهاماً
والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أرفع درجة وأجل قدراً عند الله من الملائكة عليهم السلام فلذلك أمدهم ببعض صفاته وأجرى على أيديهم بعض الخوارق التي لو سمع بها من ينكر المدد لأول وهلة ولم يعلم أنها صدرت عن رسول مؤيد لحكم على قائلها بالكفر والخروج عن الملة فوراً!! وأدل دلالة على هذا ما أجراه الله على يد سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام فلنسمع إلى قول الله تعالى وهو ينسب إلى نفسه إحياء الموتى قائلا: فَاللَّـهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (سورة الشورى 9)
ثم يقول في حق عيسى عليه الصلاة والسلام وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ المائدة 110
وكذلك ينسب شفاء المرضى إليه سبحانه وتعالى فيقول: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴿٨٠﴾ الشعراء
ثم يقول وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي المائدة110
وينسب الخلق إلى نفسه سبحانه وتعالى وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴿٢﴾ الفرقان
ثم يقول في حق عيسى عليه الصلاة والسلام وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ المائدة110
وليس ذلك فحسب بل بعد أن أمد الله سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام بتلك الصفات نراه يتكلم بلسان المدد الإلهي فينسب الأسباب إلى نفسه والفعل الحقيقي إلى مسببها فيقول أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۖ آل عمران 49
وهذه الآية أكبر دليل على جواز إطلاق مثل هذه الألفاظ على من جعل الله المقدّرات على يديه من باب المجاز الذي لاسبيل لإنكاره
من الموسوعة اليوسفية في بيان أدلة الصوفية للأستاذ الدكتور يوسف خطار محمد حفظه الله تعالى
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين على ذلك
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رحمة
كثر في الأونة الأخيرة إخراج أهل التصوف من الملَّة لألفاظ خاصة بهم ولكي يزول هذا اللبس وجدت في الموسوعة اليوسفية بياناً واضحاً لهذه المعاني والألفاظ ونبدأ بلفظ مدد
المـــــــــــدد
معنى لفظ المـــــــــــــــــدد
يختلف معنى لفظ (مــدد) باختلاف نية قائلها
وورد في لسان العرب عن معنى كلمة مدد : مددنا القوم أي صرنا لهم أنصاراً ومدداً.
وأمدَّ الأمير جنده بالخيل والرجال وأعانهم وأمدهم بمال كثير وأغناهم
والمدد ُ: العساكر التي تلحق بالمغازي في سبيل الله والإمداد أن يرسل الرجل مدداً
وقال الإمام الفيومي رحمه الله تعالى : أمدته بمدد :أعنته وقويته به
فإذا قال المسلم :"مدد يا الله " أي أعني وأمدّني بقوتك وانصرني على عدوّك وزدني بالرحمات والبركات وأمدني بالمقدرة على طاعتك ومحاربة نفسي وشيطاني
وأما إذا قال :" مدد يا أولياء الله فمعناه : علِّمونا مما علمكم الله وأمدونا مما أمدكم الله سبحانه وتعالى به من العلوم والعرفان وساعدونا بما ينفعنا لسيرنا وأرشدونا في سلوكنا إلى محبة الله بإذن الله وما كان هذا إلا لأن أكثر العباد فقدوا من يدربهم ويؤدبهم بالإسلام وبأخلاق سيد الأنام صلى الله عليه وسلم لذلك فإنهم بحاجة إلى من يعينهم ويمدهم بالعلم ويعلمهم أدب طريقة السير والسلوك والمدد بالمعنى الذي ذكرناه موجود حساً ومعنىً في حياتنا فلا يستطيع أحد أن ينكر أن الإنسان يستعين بوسائط النقل كالسيارة والطيارة والباخرة والقطار لقضاء الحوائج الدنيوية والانتقال بواستطها من بلد إلى آخر لايصل إليه الإنسان بدونها إلا بشق الأنفس
هذا وإن البحارة والطيارين يستدلون على وجهة سفرهم بحراً وجواً بواسطة قطعة معدنية يقال لها البوصلة ترشدهم إلى الجهة المطلوبة ولا ينكر هذا ! فهل الاستعانة بالمعدن تخرج عن الملة ؟! وهل تُرفض مساعدة ثمينة يقدمها إلينا من له خبرة في سلوك طريق محبة الله المحفوفة بشتى أنواع المخاطر للوصول من خلال ذلك المدد وتلك المساعدة بلا مشقة ولاتعب .. علماً بأن أقل الأعداء في هذا الطريق النفس والشيطان والهوى؟!
ومن هنا يظهر لنا أن الإنسان بحاجة إلى الاستعانة بأشياء كثيرة من مخلوقات الله لتمده بمدد قد سخره الله له على أيدي خلقه ومصنوعاتهم من أي نوع كانت وهناك فرق بين مدد الخالق سبحانه وتعالى ومدد المخلوق فكلمة مدد تأتي بمعنى المساعدة والمعاونة وهي مستحبة في كل أنواع البِّر بجميع الطرق التي أجازها الشرع الحنيف فاستعانة الناس بعضهم ببعض في الأمور لامفر منها ولا غنى عنها والإنسان مأمور بها لاسيما في أمور البر والتقوى فقد قال الله تعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٢﴾من المائدة
فالتعاون بين الخلائق هو المدد أي المساعدة ونصرة بعضهم لبعض فلو طلب الإنسان من بني جنسه الإمداد فليس بمعنى أنه يطلب منه كما يطلب من ربه ولكن بالمدد والقدرة التي أمده الله بها
والإمداد بالمعنى المذكور على قسمين :
القسم الأول :هو مدد صرف من الله سبحانه وتعالى وهو ما لايتم على الحقيقة إلا منه ولا تكون الإغاثة للخلق إلا به سبحانه وتعالى
قال تعالى : كُلًّا نُّمِدُّ هَـٰؤُلَاءِ وَهَـٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴿٢٠﴾ الاسراء
والمعنى كما قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى :
نزيده من عطائنا على تلاحق من غير انقطاع نرزق المؤمنين والكفار وأهل الطاعة وأهل المعصية (فتح القدير)
القسم الثاني : وهو ما يجريه الله سبحانه وتعالى على يد ملائكته الكرام بما آتاهم الله من القوة والأسرار وعلى يد أنبيائه عليهم الصلاة والسلام بواسطة المعجزات وعلى يد أوليائه بطريق الكرامات
والفرق جلي وواضح جداً
وهو أن الله سبحانه يمد من يشاء من عباده من خزائن فضله ورحمته بالمعونة والإغاثة والنصرة على الكفار والمشركين متى شاء وكيفما شاء ولا يتوقف عطاؤه تعالى على إذن أحد أو رضاه وهو بالحقيقة مستمد من إمداد الله تعالى والأمثلة على ذلك كثيرة جداً
وقد جعل الله تعالى في هذه الدنيا ملائكة لهم وظائف وأعمال ظاهرية وباطنية يخدمون بها خلق الله تعالى بما أمرهم به الله
قال الإمام الرازي رحمه الله تعالى في تفسيره للآية الكريمة: مِّنَ اللَّـهِ ذِي الْمَعَارِجِ ﴿٣﴾ سورة المعارج
"وعندي فيه وجه رابع وهو أن هذه السماوات كما أنها متفاوتة في الارتفاع والانخفاض والكبر والصغر وقوتها وشدة القوة على تدبر هذا العالم 0أي بحسب أمر الله تعالى لها) فلعل نور إنعام الله وأثر فيض رحمته لايصل إلى هذا العالم إلا بواسطة تلك الأرواح إما على سبيل العادة أو لا "
من تفسير الفخر الرازي
وقال أيضاً رحمه الله تعالى في تفسير قول الله تعالى :
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ١٦4 الصافات
وهذا يدل على أن لكل واحد منهم مرتبة لايتجاوزها ودرجة لايتعدى عنها وتلك الدرجات إشارة إلى درجاتهم في التصرف في أجسام هذا العالم (تفسير الفخر الرازي)
ولقد سخر الله ملائكة لمعرفة وكتابة افعال العباد بأمر منه جلّ وعلا وهو في الوقت نفسه ينسب المعرفة والكتابة لنفسه قائلاً سبحانه إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴿١٢﴾ سورة يس
قال الإمام الطبراني رضي الله عنه :"أي ونكتب ما قدموا في الدنيا من خير وشر ومن صالح الأعمال وسيئها"
وقال تعالى في حق الملائكة مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴿١٨﴾ سورة ق
وسخرهم أيضاً لحفظ العباد وكذلك نسب الحفظ لذاته سبحانه وتعالى فقال: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ ۗ الرعد11
وقال سبحانه وتعالى أيضاً في حق الملائكة وَاللَّـهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ۚ النحل 70
وسخر ملك الموت لقبض الأرواح وفي نفس الوقت نسب أيضاً ذلك لنفسه فقال: قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴿١١ )السجدة
فالفعل في هذه الآية راجع لملك الموت بأمر الله تعالى وإذنه سبحانه
وعلى هذا فإن الله تعالى قد أمد الملائكة بأسرار يحفظون بها عباد الله بتسخير منه عزوجل فهو فعال لما يريد فمهما ظهر من الملائكة الكرام من عجائب وغرائب لايكون ذلك منهم على الحقيقة فهم مسخرون بأمر الله فقد قال عنهم ربنا تعالى : لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴿٦ )التحريم
وقد جعل الله تعالى في هذه الدنيا لخلقه ما جعل للملائكة الكرام عليهم السلام من وظائف وأعمال ظاهرية وباطنية وزودهم بإمدادات وقدرات نورانية فقد أكرم الله أنبيائه ورسله وأولياءه بشيء من الأسرار التي تجعلهم قائمين بها على نصرة دين الله ويمدون يها من شاؤوا بإذن ربهم ورضاه لإقامة دين الله جل جلاله
وقال الإمام البيهقي رحمه الله تعالى في تفسير قول الله سبحانه وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ 255 البقرة
أي لايعلمون من علمه إلا ما شاء أن يعلمهم إياه بتعليمه (الأسماء والصفات للبيهقي)
وقال البغوي رحمه الله تعالى في تفسير قوله سبحانه وتعالى في حق سيدنا الخضر عليه السلام وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا الكهف 65
أي علم الباطن إلهاماً
والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أرفع درجة وأجل قدراً عند الله من الملائكة عليهم السلام فلذلك أمدهم ببعض صفاته وأجرى على أيديهم بعض الخوارق التي لو سمع بها من ينكر المدد لأول وهلة ولم يعلم أنها صدرت عن رسول مؤيد لحكم على قائلها بالكفر والخروج عن الملة فوراً!! وأدل دلالة على هذا ما أجراه الله على يد سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام فلنسمع إلى قول الله تعالى وهو ينسب إلى نفسه إحياء الموتى قائلا: فَاللَّـهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (سورة الشورى 9)
ثم يقول في حق عيسى عليه الصلاة والسلام وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ المائدة 110
وكذلك ينسب شفاء المرضى إليه سبحانه وتعالى فيقول: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴿٨٠﴾ الشعراء
ثم يقول وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي المائدة110
وينسب الخلق إلى نفسه سبحانه وتعالى وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴿٢﴾ الفرقان
ثم يقول في حق عيسى عليه الصلاة والسلام وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ المائدة110
وليس ذلك فحسب بل بعد أن أمد الله سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام بتلك الصفات نراه يتكلم بلسان المدد الإلهي فينسب الأسباب إلى نفسه والفعل الحقيقي إلى مسببها فيقول أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۖ آل عمران 49
وهذه الآية أكبر دليل على جواز إطلاق مثل هذه الألفاظ على من جعل الله المقدّرات على يديه من باب المجاز الذي لاسبيل لإنكاره
من الموسوعة اليوسفية في بيان أدلة الصوفية للأستاذ الدكتور يوسف خطار محمد حفظه الله تعالى
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين على ذلك
للمشاركة انت بحاجه الى تسجيل الدخول او التسجيل
يجب ان تعرف نفسك بتسجيل الدخول او بالاشتراك معنا للمشاركة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى