التعريف العلمي لأهل البيت 3
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
- خديجة الكبرىالاعضاء النشطاء
- عدد المساهمات : 51
تاريخ التسجيل : 08/04/2014
أهل البيت في مقام آية التطهير
الأقوال
ولنستعرض الآن تلك الأقوال التي
قيلت في مراد الله من أهل البيت في آية التطهير:
القول الأول : إنّ أهلَ البيت
في آية التطهير إنما هم آل محمد ، وهم في خصوص آية الأحزاب خمسة , وهم : نفس النبيّ
؛ وعليّ بن أبي طالب ؛ وفاطمة الزهراء بنت النبيّ ؛ والحسن ؛ والحسين رحمة الله
عليهم أهل البيت إنه حميد مجيد .
قالوا : وهؤلاء هم سببُ نزولِ آية التطهير لا
سببَ نزول لها غيرهم ، فالمراد مِن البيتِ بيتُ القرابة والنسب، وهم أولائي فقط ،
قال أغلبُ السُنِّيين : يلحق بهم ذراريهم إلى يوم القيامة أي الأسباط (1) ، وقالت
الشيعة الجعفرية من الإمامية : يلحق بهم بقية الأئمة المعصومين فقط لا جميع الذرية
، إلاَّ أن ذرية الحسن والحسين جميعاً مرادون بالتبع لهؤلاء ، فالتابع تابع ، واتفق
الجميع عل نفي العصمة عن باقي الذرية .
فآية التطهير مدرجة بين ما خوطب به
الأزواج بوضع الشارع لها ، فهي نزلت نزولاً واحداً قاله بعض أهل السنة ، وهي نزلت
نزولاً مستقلاً عما خوطب به الأزواج إما متقدماً أو متأخراً قاله الشيعة الجعفرية
وبعض أهل السنة ، فيكون المعنى على كلٍ حين أدرجت بين ما خوطب به الأزواج أمهات
المؤمنين : إنما آمركن وأنهاكنَّ يا أزواج النبي ؛ لأجل أن لا يلحق أهل بيت محمدٍ ـ
الذين طهرتهم لأنهم بيت النبوة ومن أصل النبي ـ عارٌ ولا عيبٌ أو رجسٌ تَكُنَّ
أنتنَّ السبب في حصوله .
__________
(1) قالوا : لا يرد على حمل "أهل البيت"
في الآية على المعنى الأعم ما روي أنه قال : " نزلتْ هذه الآية في خمسة .. " إذ لا
دليل فيه على الحصر ، والعدد لا مفهوم له ، ولعل الإقتصار على من ذكر - صلى الله
عليه وسلم - لأنهم أفضل من دخل في العموم تفسير الألوسي ( 22/17 ) .
ويكون
المعنى حين نزولها قبل إدراجها مع ما خوطبنَ به أن الله تعالى قد أذهب عنهم ميلاد
الجاهلية ، وهو فساد النسل بالزِّنا والسِّفاح ؛ وتدنسه بدنائة الآباء ورذالتهم ؛
وتحرجهم للمنهي ؛ وعدم تحرّزهم عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ؛ وتلّبسه بالأمهات
؛ وتكوّنه في البطون العاهرة الفاجرة ، واستقراره في الأرحام الفاسقة الكافرة . وهو
نفس المعنى بعد الإدراج .
وهذا القول عزاه ابنُ حجر الهيتميّ لأكثر المفسرين (1)
، ورواه ابن جرير الطبريّ عن عليّ السجّاد زين العابدين بن الحسين الشهيد بن الإمام
عليّ بن أبي طالب ، وعن أم سلمة - رضي الله عنهم - (2) ، وبه قال الإمام زيد بن
الإمام عليّ زين العابدين فهو مذهب أتباعه الزيدية(3) ، وروري هذا القول عن أبي
سعيد الخدري - رضي الله عنه - (4) ، وعزاه في زاد المسير لنفر من أصحاب النبيّ فقد
عزاه لأبي سعيد ، وأنس , وعائشة , وأم سلمة - رضي الله عنهم - (5) وذلك تبعاً
للماورديّ في تفسيره (6) ، وعزاه البغويّ والخازن لأبي سعيد وجماعة من التابعين
منهم مجاهد ، وقتادة ، وغيرهم (7) ، وبه قال الإمام أبي جعفر الطحاويّ وانتصر له
( ، وهو قول ذكره ابن جُزَي الكلبيّ الغرناطيّ في تفسيره (9) ، والإمام أبو جعفر
النحاس في إعراب القرآن (10) ، وأبو منصور بن عساكر في "الأربعين في مناقب أمهات
المؤمنين" (11) , والطوفي الحنبلي (12) ، والشيخ محي الدين في حاشيته (13) ,
والسمهوديّ المدنيّ في جواهر العقدين ، وهو قول السلفِ وأكثرِ أهل العلم ؛ إذ هو
اختيار أئمة العلماء وقادتها , وحاول القرطبيّ توهين هذا القول وتمريضه إذ قال:
"وقالت فرقةٌ منهم الكلبيّ هم : عليّ , وفاطمة , والحسن , والحسين , خاصة " (14) ,
ولكنه كما ترى هو قول السلف والصحابة والذي كان يعتقده الناس كافة في زمن النبي
وزمن أصحابه ؛ ولم يصدف عنه أحد من السلف يعتد به ، وسوف يأتيك كلام للإمام
أبي
__________
(1) الصواعق (220) .
(2) التفسير ( 22/7) .
(3) كتاب
الصفوة للإمام زيد - عليه السلام - .
(4) الأحكام للجصاص ( 3/471) .
(5) زاد
المسير (6/381) .
(6) الماوردي (4/401) .
(7) تفسير البغوي والخازن ( 5/259)
.
( مشْكِل الآثار ( 1/227ـ231 ) .
(9) التسهيل لعلوم التنْزيل (تفسير
الكلبي) للعلامة ابن جزي الكلبي الغرناطي ، ط 4 ، دار الكتاب العربي ، بيروت
(3/137) .
(10) إعراب القرآن ( 3/314 ) .
(11) الأربعين (106) .
(12) شرح
مختصر الروضة (3/108) .
(13) حاشية شيخ زاده (6/635 ) .
(14) تفسير القرطبي
(14/119) ؛ انظر أسرار الإمامة للطبرسيّ .
جعفر النحاس من أهل السنة هو بمثابة حكاية للإجماع بين المفسرين والعلماء من السلف
، وهو على الصحيح الذي ذهب إليه ابن السائب الكلبيّ ، واقتصر عليه أبو يحيى محمد بن
صمادح التجيبيّ لدى اختصاره لتفسير الطبريّ إذ قال : {أَهْلَ الْبَيْتِ} يعني - عز
وجل - بيت محمد ، وروي عن رسول الله أنه قال : ((نزلتْ هذه الآية في خمسةٍ ؛ فيَّ ،
وفي عليٍّ ، وحسن ، وحسن ، وفاطمة)) (1) ، وحكاه العز بن عبد السلام في تفسيره
قولاً وقدَّمه ؛ وقال : "قاله أربعة من الصحابة رضوان عليه عليهم أجمعين" ، وكذا
حكاه الواحدي في تفسيره الوسيط عن بعض أصحاب النبي والماوردي في تفسيره النكت
والعيون (2) ، وهو قول الشيعة قاطبة وجمهور المتكلمين ، ونسبه للجعفرية منهم صاحب
تفسير الميزان (3) ، والقميّ في تفسيره(4) ، وفرات في تفسيره ، والصدوق في
الخصال(5) .
وقالت الشيعة الجعفرية من الإمامية : هم أهل الكساء أولائي ، ومعهم
بقية المعصومين مِن نسل الحسين السبط ، فالمراد مِن أهل البيت أربعةَ عشرَ
معصوماً.
قالوا : وهم عترة النبي ، فالمراد بآل البيت ؛ هم فئة محدودة من نسل
رسول الله وهم الذين قصدهم النصّ القرآني في هذه الآية ، وخصّتهم الروايات الواردة
على لسانه ، وهم أهل الكساء ؛ الأربعة والتسعة الأئمة من نسل الحسين ، إذ تفرقت
المقامات في القرابة ، وهؤلاء قد جمعوا كل مقام ناله القرابة من بني هاشم ، فملامح
آل البيت تتحدد من خلال أمور ثلاث :
الأول : أنهم معصومون . الثاني : أنهم لا
يقاس بهم أحد . الثالث : أنهم أربعة عشر إماماً . قالوا : وإنما المراد من البيت
هنا ليس المسكن ، وإنما بيت الرسالة ، أي بيت النبوة والإمامة(6)، ولو أننا جعلنا
أهل البيت في الآية جميع ذرية الحسن والحسين لكان ذلك شططاً من القول ، لأن الآية
تدلُّ على عصمة من نزلت فيهم ، ولو عمّمناها في ذرية أهل الكساء لأثبتنا العصمة لهم
، وهذا باطل وهو إفراط ، لأنه يستحيل أن يكونوا معصومين ، فالعصمة ثابتة للأئمة فقط
، وهم المرادون من أهل البيت ، ولكن لذرية أهل الكساء منزلة عندنا ليست لغيرهم ،
والآية تشملهم بالتبع لا بالأصالة ، لذا فإنهم ليسوا بمعصومين قطعاً ، وأهل السنة
القائلين بهذا القول يجعلونهم من أهل البيت ، ولكنهم لا يثبتون العصمة لغير النبي
.
__________
(1) مختصر تفسير الطبري لأبي يحيى التجيبي ، ط 6 ، 1418هـ ، دار
الفجر الإسلامي ، دمشق (422) .
(2) تفسير البسيط للواحد (18/240) ، النكت
والعيون (4/401).
(3) تفسير الميزان (ج16).
(4) تفسير القمي (ج2).
(5)
الخصال صفحة ( 403، 580) .
(6) عقائدنا للشيرازي (42)، ومودة أهل البيت (12) ،
الرسالة التطهيرية (91، 96)
قالوا : وقد أقرَّ بإمامة الإثنى عشر جمعٌ من
أهل السنة ، علماء مبرزون ، وإن لم يعتقدوا فيهم ذات اعتقاد الشيعة الجعفرية من
الإمامية ، كابن خالويه ؛ وكالمحدث الزرنديّ المدنيّ ؛ والتيجانيّ أحد أقطاب متأخري
الصوفية ؛ وجمعٌ كثير .
والحاصل أنه قول عامة أهل البيت والعترة المنتسبة إلى
النبي ، وقول عامة أهل العلم من السلف من الصحابة والتابعين ومن الفقهاء والمفسرين
والمحدثين والمحققين من المتأخرين الذي لم يتأثروا بغيره ولم تأثر فيهم عواطفهم ،
فهو على هذا مقام من مقامات القرابة .
القول الثاني : المراد من أهل البيت في
آية التطهير ؛ نساء النبي أمهات المؤمنين ، فهن سبب النزول ، وأكده بعضهم فقال : هي
في نساء النبي خاصة لا رجل معهنَّ .
والمراد من البيت إذن؛ بيت المدر والخشب،
وهي مساكن النبي ، والآية كما نزلت فيهنَّ فإنها باقية على حالها، فهي في خصوصهنَّ
فقط.
وهذا القول قول عكرمة الخارجيّ مولى عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ،
ونسبه عكرمة لابن عباس ولا يصح عنه ، فعكرمة متهمٌ بالكذب على مولاه ابن عباس ومتهم
بالنصب والكذب عامة ، فقوله مردود عليه ، وهو الذي كان يعمد إلى الأسواق فيرفع
عقيرته ويقول: مَنْ شاءَ باهلتُه! { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} نزلتْ في نساء النبي خاصة!
.
وهذا القول عزاه القرطبيّ ؛ لعكرمة ، ولعطاء ، وابن عباس (1) , ولا يصح عن ابن
عباس البتة , قال في زاد المسير: رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة ،
وابن السائب، ومقاتل (2) ، ولا يصح عن ابن السائب البتة , ونسبه الشوكانيّ في فتح
القدير لهم أيضاً وزاد : عطاء ، وسعيد بن جبير (3) ، وكذا نسبه الواحدي في البسيط
لعكرمة وابن الكلبي ومقاتل وسعيد (4) ، وكذا نسبه الماوردي في تفسيره إلى ابن عباس
وعكرمة (5) ، ولا يثبت إلا عن عكرمة وحده ، وهو قول حكاه ابن جزي الكلبيّ الغرناطيّ
في تفسيره قولاً (6) , وذكره قولاً كل من الجصَّاص (7)
__________
(1) تفسير
القرطبي (14/118ـ119) .
(2) زاد المسير (6/381) ، ونسبه الطبرسيّ في أسرار
الإمامة وهماً لابن السائب الكلبيّ وشهر بن حوشب ونال منهما نيلاً شديداً وجار
عليهما مع أنهما لم يقولا بهذا القول .
(3) فتح القدير ، للعلامة ابن الهمام
السيواسيّ المتوفى عام 681هـ ، ط2 ، دار الفكر ، بيروت ، لبنان (4/396) .
(4)
تفسير البسيط للواحد (18/240).
(5) تفسير الماوردي النكت والعيون
(4/401).
(6) التسهيل (3/137) .
(7) أحكام القرآن (3 /471) .
, وابن
حَجر الهيتميّ (1) ، والألوسيّ (2) ، وابن قيّم الجوزية (3) ، وأبو جعفر
النّحّاس(4) ، والبغويّ والخازن (5) ، والمقريزيّ في فضل آل البيت (6) ؛ والعز بن
عبد السلام في تفسيره ؛ كلّ أولئك ذكره قولاً ؛ وليتهم نسبوه لصاحبه عكرمة كما فعل
أبو جعفر النحاس؛ وهذا القول قال به الصابونيّ من المتأخرين المعاصرين في تفسيره
صفوة التفاسير ؛ ولم يذكر غيره! عفى الله عنه!.
وزعم بعضهم أنه قول الجمهور ,
فإن كان قصده جمهور الخلف ومتأخري المفسرين فنعم ، وإلا فلا ، ومن ذكر هذا القول من
هؤلاء فليس كلهم يقر بصحته ويعتقد صدقه ؛ إذ ليس في حكاية الأقوال تسليماً بصدقها
ولا اعتقاداً بصحتها .
وبهذا القول تَمَسَّك النَّواصبُ ، وهم الذين ناصبوا
النبي وأهل بيته العداء , وعَزْوهم هذا القول لابن السائب الكلبيّ موضع نظر ، فهو
لا يصح عنه ولا عن ابن عباس ولا عن سعيد بن جبير , وتأثر به بعض الأخيار من الخلف
مِن غير تدبّر ولا تفكّر ، وبه تمسك كثيرٌ منهم ، حتى أصبح قول أهل السنة في هذا
العصر , ولم يرو عن أهل القرون الأولى ولم يرو سوى عن عكرمة ، وفي عكرمةَ مقالٌ عند
أئمة الجرح والتعديل ، فلم يقل به أحد من سلف الأمة ، ولم يقل به كما ترى سوى شرذمة
قليلون كلهم من الخلف لا من السلف ، بل هو فقط قول عكرمة وهو عِلَّته ، ولا يصح عن
الباقين سوى مقاتل فالله أعلم بحقيقة قوله .
القول الثالث : هم أولاده لصلبه؛
وأزواجه ؛ وعليّ بن أبي طالب؛ والحسن؛ والحسين، وعليّ منهم لأنه كان من أهل بيته
بسبب معاشرته ببنت النبيّ وملازمته للنبيّ .
وهذا قول الفخر الرازيّ (7) ،
والقرطبيّ ( ، وعزاه الشوكانيّ لأبي سعيد الخدريّ , ومجاهد , وقتادة , وابن
الكلبيّ (9) ، وهو قول ابن تيمية (10) وبعض أتباعه ، وهو اختيار الأمين الشنقيطيّ
(11) ، وحكاه أبو بكر الجصاص قولاً ولم
__________
(1) الصواعق (220ـ221)
.
(2) تفسيره (22/13) .
(3) جلاء الأفهام (166) .
(4) إعراب القرآن
(3/314) .
(5) تفسيريهما (5/259) .
(6) فضل آل البيت ، للتقي المقريزي ،
تحقيق د.محمد أحمد عاشور ، ط1980م ، دار الاعتصام ، مصر صفحة (29، 38) ، ولا يمكن
أن يكون هذا قول الجمهوربحال .
(7) تفسيره (25/181) .
( أحكام القرآن
(14/119) .
(9) تفسيره (4/397) ، و كذا في كتابه إرشاد الفحول .
(10) فتاوى
ابن تيمية ( 1/184 ) .
(11) تفسيره (6/578) .
يعزه (1) ، وابن كثير في تفسيره(2) ، واختاره من الأصوليين صاحب فواتح الرحموت
(3).
ويَرِدُ على هذا القول ما ورد على القول التالي في احتمالات النزول جميعاً
، وهو يُمَهِّدُ لدخول غير عليّ كرَّم الله وجهه من أزواج البنات , ولعل الشوكانيّ
كان واهماً في عزوه ، فلم يعزه أحد ممن سبقه لأبي سعيد الخدريّ ولا لابن السائب
الكلبيّ ، والمعروف المشهور عن النسابة الأخباريّ الكلبيّ أنه كان من المتشيعة
.
القول الرابع : الآية نزلت في نساء النبي اللواتي هنَّ أهل بيت سكناه بيت
الطين والخشب , وفي قرابته أهل بيت القرابة والنسب ـ قال بعض القائلين به : الذين
حرمت عليهم الصدقات والزكوات على خلاف في أهل بيته الذين تحرم عليهم ، وقال بعض
القائلين بهذا القول : هم أهل الكساء ـ أي أن الآية نزلت في الأزواج أولاً خاصة ،
ثم عمتْ أهل الكساء (بسبب أمر من ثلاثة أمور : لفعل الرسول اجتهاداً منه أو لأنهم
أولى بها من الأزواج أو لأن اللغة تقتضيهم واللفظ يشملهم) أو أنها نزلت في أهل
الكساء أولاً ثم خوطب بها الأزواج ، حيث أدرجها الشارع بين ما خوطبنَّ به ، فكانت
من تمام سياق الآيات ، أو أنها نزلت في كلا الفريقين ابتداءاً ، نزولاً واحداً ، في
وقت واحدٍ وقيل نزولين أو أكثر .
وهذا القول ؛ قال به أقوامٌ ابتداءً ، وقال به
أقوامٌ توفيقاً بين القولين الأوليْن لماَّ احتاروا وظنوا بالتعارض ؛ فهو قول
المُوفِّقَة ، وهو قولٌ حكاه أبو بكر الجصاص رحمه الله قولاً ، قال : لاحتمال اللفظ
للجميع (4) ، وبه قال ابن جُزي الكلبيّ الغرناطيّ (5) ، وعزاه ابن الجوزيّ للضحاك ,
والزجاج (6) ، وكذا نسبه الماوردي في تفسيره النكت إلى الضحاك (7) ، قال ابن حجر
الهيتميّ : اعتمده جمعٌ ورجحوه وأيَّده ابن كثيرٍ ( ، وعزاه السمهوديّ لأبي بكر
النقاش في تفسيره ، قال : وقال النقاش : أجمع أكثر أهل التفسير أنها نزلت في عليّ ,
وفاطمة , والحسن , والحسين (9) ، وبه قال كثير من علماء الأصول كالإسنويّ (10)؛
وذكره العز بن عبد السلام في تفسيره قولاً .
__________
(1) الأحكام (3/471)
.
(2) تفسير ابن كثير (3/94) .
(3) فواتح الرحموت (2/229) .
(4) أحكام
القرآن (3/471) .
(5) تفسيره (3/137) .
(6) زاد المسير (6/381ـ382) .
(7)
تفسيره (4/401) .
( الصواعق (221) .
(9) سمط الجواهر(198) .
(10) نهاية
السول شرح منهاج الأصول (2/402) .
ومعنى الآية والحالة هذه هو معناها بعد أن
تجمع بين القول الأول والقول الثاني .
القول الخامس : إنما المراد بأهل البيت في
الآية هو النبي وحده ، وهذا القول حكاه ابن حجر الهيتميّ قولاً ولم يعزه إلى أحد(1)
، فهو شاذٌ مرسل.
القول السادس : إن المراد من أهل البيت في آية التطهير جميع
بني هاشمٍ الذين حَرُمَتْ الصدقةُ عليهم، قالوا : فالمراد من البيت ؛ بيت القرابة
والنسب ، وهم أولائي ، لا أنّ المراد بيت السعف والطين والخشب .
وهذا القول قال
به جمع من أهل العلم , وعزاه ابنُ حجر الهيتميّ ؛ والقرطبيُّ ؛ للثعلبيّ (2)، وعزاه
في زاد المسير للضحاك ؛ والزجاج(3).
وبعض القائلين بهذا القول قالوا : هاشم
والمطلب , بناء على الخلاف الذي ذكرناه في آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقات ,
فالخلاف المذكور هناك يجري ههنا عند الذين قالوا هم الذين تحرم عليهم الزكوات
.
القول السابع : إن المراد من أهل البيت في الآية النبي الذي هو داخل في كلِّ
قولٍ ، وعليّ ؛ وفاطمة ؛ والحسن؛ والحسين وذُرِّيتهم، والعباس بن عبد المطلب
وَذُرِّيته ، أي بعض الذين تحرم عليهم الصدقات لا كلهم ، لأنّ المعتمد أن الذين
تحرم عليهم الصدقات هم عامة بني هاشم بن عبد مناف . (4)
القول الثامن : هم كلُّ
مَنْ كان من ألزام النبيِّ من الرجال والنساء من الأزواج والإماء والأقارب ، وكلما
كان الإنسان منهم أقرب وبالنبيّ أخص وألزم كان بالإرادة أحق وأجدر ، وبه قال
العلامة البقاعيّ في تفسيره نَظْمُ الدُرَرِ (5) .
القول التاسع : هم أهل مسجد
المدينة ، مسجد النبيّ ، فالمراد من أهل البيت عُمَّارُ مسجد النبيّ ، هم المسلمون
من مصلين ومعتكفين ، وبه قال بعض المتعلمين من أهل السنة ، وبه قال بعض النواصب (6)
، أو المراد بهم أهل المدينة سكان الحرم أو الذين حول الحرم .
__________
(1)
الصواعق (221) .
(2) صواعق (222) , تفسير القرطبي (14/118ـ119) .
(3) زاد
المسير (6/381ـ382) ، وأنظر الجواهر للسمهودي (199) .
(4) هذا القول يتخرّج على
فعله - عليه السلام - في حادثة الكساء و فعله - عليه السلام - مع عمه العباس
.
(5) نظم الدرر (6/102) .
(6) تفسير الألوسي ( 22/13) .
القول العاشر
: هم أهل المسجد الحرام بمكة ، والبيت هو الكعبة ، ذكره السبحانيُّ من الإمامية في
كتابه متعجباً ولم يعزه لأحد . كما ذكره الدكتور عقيل حسين (1) ، أو المراد بهم أهل
مكة سكان الحرم.
الأقوال
ولنستعرض الآن تلك الأقوال التي
قيلت في مراد الله من أهل البيت في آية التطهير:
القول الأول : إنّ أهلَ البيت
في آية التطهير إنما هم آل محمد ، وهم في خصوص آية الأحزاب خمسة , وهم : نفس النبيّ
؛ وعليّ بن أبي طالب ؛ وفاطمة الزهراء بنت النبيّ ؛ والحسن ؛ والحسين رحمة الله
عليهم أهل البيت إنه حميد مجيد .
قالوا : وهؤلاء هم سببُ نزولِ آية التطهير لا
سببَ نزول لها غيرهم ، فالمراد مِن البيتِ بيتُ القرابة والنسب، وهم أولائي فقط ،
قال أغلبُ السُنِّيين : يلحق بهم ذراريهم إلى يوم القيامة أي الأسباط (1) ، وقالت
الشيعة الجعفرية من الإمامية : يلحق بهم بقية الأئمة المعصومين فقط لا جميع الذرية
، إلاَّ أن ذرية الحسن والحسين جميعاً مرادون بالتبع لهؤلاء ، فالتابع تابع ، واتفق
الجميع عل نفي العصمة عن باقي الذرية .
فآية التطهير مدرجة بين ما خوطب به
الأزواج بوضع الشارع لها ، فهي نزلت نزولاً واحداً قاله بعض أهل السنة ، وهي نزلت
نزولاً مستقلاً عما خوطب به الأزواج إما متقدماً أو متأخراً قاله الشيعة الجعفرية
وبعض أهل السنة ، فيكون المعنى على كلٍ حين أدرجت بين ما خوطب به الأزواج أمهات
المؤمنين : إنما آمركن وأنهاكنَّ يا أزواج النبي ؛ لأجل أن لا يلحق أهل بيت محمدٍ ـ
الذين طهرتهم لأنهم بيت النبوة ومن أصل النبي ـ عارٌ ولا عيبٌ أو رجسٌ تَكُنَّ
أنتنَّ السبب في حصوله .
__________
(1) قالوا : لا يرد على حمل "أهل البيت"
في الآية على المعنى الأعم ما روي أنه قال : " نزلتْ هذه الآية في خمسة .. " إذ لا
دليل فيه على الحصر ، والعدد لا مفهوم له ، ولعل الإقتصار على من ذكر - صلى الله
عليه وسلم - لأنهم أفضل من دخل في العموم تفسير الألوسي ( 22/17 ) .
ويكون
المعنى حين نزولها قبل إدراجها مع ما خوطبنَ به أن الله تعالى قد أذهب عنهم ميلاد
الجاهلية ، وهو فساد النسل بالزِّنا والسِّفاح ؛ وتدنسه بدنائة الآباء ورذالتهم ؛
وتحرجهم للمنهي ؛ وعدم تحرّزهم عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ؛ وتلّبسه بالأمهات
؛ وتكوّنه في البطون العاهرة الفاجرة ، واستقراره في الأرحام الفاسقة الكافرة . وهو
نفس المعنى بعد الإدراج .
وهذا القول عزاه ابنُ حجر الهيتميّ لأكثر المفسرين (1)
، ورواه ابن جرير الطبريّ عن عليّ السجّاد زين العابدين بن الحسين الشهيد بن الإمام
عليّ بن أبي طالب ، وعن أم سلمة - رضي الله عنهم - (2) ، وبه قال الإمام زيد بن
الإمام عليّ زين العابدين فهو مذهب أتباعه الزيدية(3) ، وروري هذا القول عن أبي
سعيد الخدري - رضي الله عنه - (4) ، وعزاه في زاد المسير لنفر من أصحاب النبيّ فقد
عزاه لأبي سعيد ، وأنس , وعائشة , وأم سلمة - رضي الله عنهم - (5) وذلك تبعاً
للماورديّ في تفسيره (6) ، وعزاه البغويّ والخازن لأبي سعيد وجماعة من التابعين
منهم مجاهد ، وقتادة ، وغيرهم (7) ، وبه قال الإمام أبي جعفر الطحاويّ وانتصر له
( ، وهو قول ذكره ابن جُزَي الكلبيّ الغرناطيّ في تفسيره (9) ، والإمام أبو جعفر
النحاس في إعراب القرآن (10) ، وأبو منصور بن عساكر في "الأربعين في مناقب أمهات
المؤمنين" (11) , والطوفي الحنبلي (12) ، والشيخ محي الدين في حاشيته (13) ,
والسمهوديّ المدنيّ في جواهر العقدين ، وهو قول السلفِ وأكثرِ أهل العلم ؛ إذ هو
اختيار أئمة العلماء وقادتها , وحاول القرطبيّ توهين هذا القول وتمريضه إذ قال:
"وقالت فرقةٌ منهم الكلبيّ هم : عليّ , وفاطمة , والحسن , والحسين , خاصة " (14) ,
ولكنه كما ترى هو قول السلف والصحابة والذي كان يعتقده الناس كافة في زمن النبي
وزمن أصحابه ؛ ولم يصدف عنه أحد من السلف يعتد به ، وسوف يأتيك كلام للإمام
أبي
__________
(1) الصواعق (220) .
(2) التفسير ( 22/7) .
(3) كتاب
الصفوة للإمام زيد - عليه السلام - .
(4) الأحكام للجصاص ( 3/471) .
(5) زاد
المسير (6/381) .
(6) الماوردي (4/401) .
(7) تفسير البغوي والخازن ( 5/259)
.
( مشْكِل الآثار ( 1/227ـ231 ) .
(9) التسهيل لعلوم التنْزيل (تفسير
الكلبي) للعلامة ابن جزي الكلبي الغرناطي ، ط 4 ، دار الكتاب العربي ، بيروت
(3/137) .
(10) إعراب القرآن ( 3/314 ) .
(11) الأربعين (106) .
(12) شرح
مختصر الروضة (3/108) .
(13) حاشية شيخ زاده (6/635 ) .
(14) تفسير القرطبي
(14/119) ؛ انظر أسرار الإمامة للطبرسيّ .
جعفر النحاس من أهل السنة هو بمثابة حكاية للإجماع بين المفسرين والعلماء من السلف
، وهو على الصحيح الذي ذهب إليه ابن السائب الكلبيّ ، واقتصر عليه أبو يحيى محمد بن
صمادح التجيبيّ لدى اختصاره لتفسير الطبريّ إذ قال : {أَهْلَ الْبَيْتِ} يعني - عز
وجل - بيت محمد ، وروي عن رسول الله أنه قال : ((نزلتْ هذه الآية في خمسةٍ ؛ فيَّ ،
وفي عليٍّ ، وحسن ، وحسن ، وفاطمة)) (1) ، وحكاه العز بن عبد السلام في تفسيره
قولاً وقدَّمه ؛ وقال : "قاله أربعة من الصحابة رضوان عليه عليهم أجمعين" ، وكذا
حكاه الواحدي في تفسيره الوسيط عن بعض أصحاب النبي والماوردي في تفسيره النكت
والعيون (2) ، وهو قول الشيعة قاطبة وجمهور المتكلمين ، ونسبه للجعفرية منهم صاحب
تفسير الميزان (3) ، والقميّ في تفسيره(4) ، وفرات في تفسيره ، والصدوق في
الخصال(5) .
وقالت الشيعة الجعفرية من الإمامية : هم أهل الكساء أولائي ، ومعهم
بقية المعصومين مِن نسل الحسين السبط ، فالمراد مِن أهل البيت أربعةَ عشرَ
معصوماً.
قالوا : وهم عترة النبي ، فالمراد بآل البيت ؛ هم فئة محدودة من نسل
رسول الله وهم الذين قصدهم النصّ القرآني في هذه الآية ، وخصّتهم الروايات الواردة
على لسانه ، وهم أهل الكساء ؛ الأربعة والتسعة الأئمة من نسل الحسين ، إذ تفرقت
المقامات في القرابة ، وهؤلاء قد جمعوا كل مقام ناله القرابة من بني هاشم ، فملامح
آل البيت تتحدد من خلال أمور ثلاث :
الأول : أنهم معصومون . الثاني : أنهم لا
يقاس بهم أحد . الثالث : أنهم أربعة عشر إماماً . قالوا : وإنما المراد من البيت
هنا ليس المسكن ، وإنما بيت الرسالة ، أي بيت النبوة والإمامة(6)، ولو أننا جعلنا
أهل البيت في الآية جميع ذرية الحسن والحسين لكان ذلك شططاً من القول ، لأن الآية
تدلُّ على عصمة من نزلت فيهم ، ولو عمّمناها في ذرية أهل الكساء لأثبتنا العصمة لهم
، وهذا باطل وهو إفراط ، لأنه يستحيل أن يكونوا معصومين ، فالعصمة ثابتة للأئمة فقط
، وهم المرادون من أهل البيت ، ولكن لذرية أهل الكساء منزلة عندنا ليست لغيرهم ،
والآية تشملهم بالتبع لا بالأصالة ، لذا فإنهم ليسوا بمعصومين قطعاً ، وأهل السنة
القائلين بهذا القول يجعلونهم من أهل البيت ، ولكنهم لا يثبتون العصمة لغير النبي
.
__________
(1) مختصر تفسير الطبري لأبي يحيى التجيبي ، ط 6 ، 1418هـ ، دار
الفجر الإسلامي ، دمشق (422) .
(2) تفسير البسيط للواحد (18/240) ، النكت
والعيون (4/401).
(3) تفسير الميزان (ج16).
(4) تفسير القمي (ج2).
(5)
الخصال صفحة ( 403، 580) .
(6) عقائدنا للشيرازي (42)، ومودة أهل البيت (12) ،
الرسالة التطهيرية (91، 96)
قالوا : وقد أقرَّ بإمامة الإثنى عشر جمعٌ من
أهل السنة ، علماء مبرزون ، وإن لم يعتقدوا فيهم ذات اعتقاد الشيعة الجعفرية من
الإمامية ، كابن خالويه ؛ وكالمحدث الزرنديّ المدنيّ ؛ والتيجانيّ أحد أقطاب متأخري
الصوفية ؛ وجمعٌ كثير .
والحاصل أنه قول عامة أهل البيت والعترة المنتسبة إلى
النبي ، وقول عامة أهل العلم من السلف من الصحابة والتابعين ومن الفقهاء والمفسرين
والمحدثين والمحققين من المتأخرين الذي لم يتأثروا بغيره ولم تأثر فيهم عواطفهم ،
فهو على هذا مقام من مقامات القرابة .
القول الثاني : المراد من أهل البيت في
آية التطهير ؛ نساء النبي أمهات المؤمنين ، فهن سبب النزول ، وأكده بعضهم فقال : هي
في نساء النبي خاصة لا رجل معهنَّ .
والمراد من البيت إذن؛ بيت المدر والخشب،
وهي مساكن النبي ، والآية كما نزلت فيهنَّ فإنها باقية على حالها، فهي في خصوصهنَّ
فقط.
وهذا القول قول عكرمة الخارجيّ مولى عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ،
ونسبه عكرمة لابن عباس ولا يصح عنه ، فعكرمة متهمٌ بالكذب على مولاه ابن عباس ومتهم
بالنصب والكذب عامة ، فقوله مردود عليه ، وهو الذي كان يعمد إلى الأسواق فيرفع
عقيرته ويقول: مَنْ شاءَ باهلتُه! { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} نزلتْ في نساء النبي خاصة!
.
وهذا القول عزاه القرطبيّ ؛ لعكرمة ، ولعطاء ، وابن عباس (1) , ولا يصح عن ابن
عباس البتة , قال في زاد المسير: رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة ،
وابن السائب، ومقاتل (2) ، ولا يصح عن ابن السائب البتة , ونسبه الشوكانيّ في فتح
القدير لهم أيضاً وزاد : عطاء ، وسعيد بن جبير (3) ، وكذا نسبه الواحدي في البسيط
لعكرمة وابن الكلبي ومقاتل وسعيد (4) ، وكذا نسبه الماوردي في تفسيره إلى ابن عباس
وعكرمة (5) ، ولا يثبت إلا عن عكرمة وحده ، وهو قول حكاه ابن جزي الكلبيّ الغرناطيّ
في تفسيره قولاً (6) , وذكره قولاً كل من الجصَّاص (7)
__________
(1) تفسير
القرطبي (14/118ـ119) .
(2) زاد المسير (6/381) ، ونسبه الطبرسيّ في أسرار
الإمامة وهماً لابن السائب الكلبيّ وشهر بن حوشب ونال منهما نيلاً شديداً وجار
عليهما مع أنهما لم يقولا بهذا القول .
(3) فتح القدير ، للعلامة ابن الهمام
السيواسيّ المتوفى عام 681هـ ، ط2 ، دار الفكر ، بيروت ، لبنان (4/396) .
(4)
تفسير البسيط للواحد (18/240).
(5) تفسير الماوردي النكت والعيون
(4/401).
(6) التسهيل (3/137) .
(7) أحكام القرآن (3 /471) .
, وابن
حَجر الهيتميّ (1) ، والألوسيّ (2) ، وابن قيّم الجوزية (3) ، وأبو جعفر
النّحّاس(4) ، والبغويّ والخازن (5) ، والمقريزيّ في فضل آل البيت (6) ؛ والعز بن
عبد السلام في تفسيره ؛ كلّ أولئك ذكره قولاً ؛ وليتهم نسبوه لصاحبه عكرمة كما فعل
أبو جعفر النحاس؛ وهذا القول قال به الصابونيّ من المتأخرين المعاصرين في تفسيره
صفوة التفاسير ؛ ولم يذكر غيره! عفى الله عنه!.
وزعم بعضهم أنه قول الجمهور ,
فإن كان قصده جمهور الخلف ومتأخري المفسرين فنعم ، وإلا فلا ، ومن ذكر هذا القول من
هؤلاء فليس كلهم يقر بصحته ويعتقد صدقه ؛ إذ ليس في حكاية الأقوال تسليماً بصدقها
ولا اعتقاداً بصحتها .
وبهذا القول تَمَسَّك النَّواصبُ ، وهم الذين ناصبوا
النبي وأهل بيته العداء , وعَزْوهم هذا القول لابن السائب الكلبيّ موضع نظر ، فهو
لا يصح عنه ولا عن ابن عباس ولا عن سعيد بن جبير , وتأثر به بعض الأخيار من الخلف
مِن غير تدبّر ولا تفكّر ، وبه تمسك كثيرٌ منهم ، حتى أصبح قول أهل السنة في هذا
العصر , ولم يرو عن أهل القرون الأولى ولم يرو سوى عن عكرمة ، وفي عكرمةَ مقالٌ عند
أئمة الجرح والتعديل ، فلم يقل به أحد من سلف الأمة ، ولم يقل به كما ترى سوى شرذمة
قليلون كلهم من الخلف لا من السلف ، بل هو فقط قول عكرمة وهو عِلَّته ، ولا يصح عن
الباقين سوى مقاتل فالله أعلم بحقيقة قوله .
القول الثالث : هم أولاده لصلبه؛
وأزواجه ؛ وعليّ بن أبي طالب؛ والحسن؛ والحسين، وعليّ منهم لأنه كان من أهل بيته
بسبب معاشرته ببنت النبيّ وملازمته للنبيّ .
وهذا قول الفخر الرازيّ (7) ،
والقرطبيّ ( ، وعزاه الشوكانيّ لأبي سعيد الخدريّ , ومجاهد , وقتادة , وابن
الكلبيّ (9) ، وهو قول ابن تيمية (10) وبعض أتباعه ، وهو اختيار الأمين الشنقيطيّ
(11) ، وحكاه أبو بكر الجصاص قولاً ولم
__________
(1) الصواعق (220ـ221)
.
(2) تفسيره (22/13) .
(3) جلاء الأفهام (166) .
(4) إعراب القرآن
(3/314) .
(5) تفسيريهما (5/259) .
(6) فضل آل البيت ، للتقي المقريزي ،
تحقيق د.محمد أحمد عاشور ، ط1980م ، دار الاعتصام ، مصر صفحة (29، 38) ، ولا يمكن
أن يكون هذا قول الجمهوربحال .
(7) تفسيره (25/181) .
( أحكام القرآن
(14/119) .
(9) تفسيره (4/397) ، و كذا في كتابه إرشاد الفحول .
(10) فتاوى
ابن تيمية ( 1/184 ) .
(11) تفسيره (6/578) .
يعزه (1) ، وابن كثير في تفسيره(2) ، واختاره من الأصوليين صاحب فواتح الرحموت
(3).
ويَرِدُ على هذا القول ما ورد على القول التالي في احتمالات النزول جميعاً
، وهو يُمَهِّدُ لدخول غير عليّ كرَّم الله وجهه من أزواج البنات , ولعل الشوكانيّ
كان واهماً في عزوه ، فلم يعزه أحد ممن سبقه لأبي سعيد الخدريّ ولا لابن السائب
الكلبيّ ، والمعروف المشهور عن النسابة الأخباريّ الكلبيّ أنه كان من المتشيعة
.
القول الرابع : الآية نزلت في نساء النبي اللواتي هنَّ أهل بيت سكناه بيت
الطين والخشب , وفي قرابته أهل بيت القرابة والنسب ـ قال بعض القائلين به : الذين
حرمت عليهم الصدقات والزكوات على خلاف في أهل بيته الذين تحرم عليهم ، وقال بعض
القائلين بهذا القول : هم أهل الكساء ـ أي أن الآية نزلت في الأزواج أولاً خاصة ،
ثم عمتْ أهل الكساء (بسبب أمر من ثلاثة أمور : لفعل الرسول اجتهاداً منه أو لأنهم
أولى بها من الأزواج أو لأن اللغة تقتضيهم واللفظ يشملهم) أو أنها نزلت في أهل
الكساء أولاً ثم خوطب بها الأزواج ، حيث أدرجها الشارع بين ما خوطبنَّ به ، فكانت
من تمام سياق الآيات ، أو أنها نزلت في كلا الفريقين ابتداءاً ، نزولاً واحداً ، في
وقت واحدٍ وقيل نزولين أو أكثر .
وهذا القول ؛ قال به أقوامٌ ابتداءً ، وقال به
أقوامٌ توفيقاً بين القولين الأوليْن لماَّ احتاروا وظنوا بالتعارض ؛ فهو قول
المُوفِّقَة ، وهو قولٌ حكاه أبو بكر الجصاص رحمه الله قولاً ، قال : لاحتمال اللفظ
للجميع (4) ، وبه قال ابن جُزي الكلبيّ الغرناطيّ (5) ، وعزاه ابن الجوزيّ للضحاك ,
والزجاج (6) ، وكذا نسبه الماوردي في تفسيره النكت إلى الضحاك (7) ، قال ابن حجر
الهيتميّ : اعتمده جمعٌ ورجحوه وأيَّده ابن كثيرٍ ( ، وعزاه السمهوديّ لأبي بكر
النقاش في تفسيره ، قال : وقال النقاش : أجمع أكثر أهل التفسير أنها نزلت في عليّ ,
وفاطمة , والحسن , والحسين (9) ، وبه قال كثير من علماء الأصول كالإسنويّ (10)؛
وذكره العز بن عبد السلام في تفسيره قولاً .
__________
(1) الأحكام (3/471)
.
(2) تفسير ابن كثير (3/94) .
(3) فواتح الرحموت (2/229) .
(4) أحكام
القرآن (3/471) .
(5) تفسيره (3/137) .
(6) زاد المسير (6/381ـ382) .
(7)
تفسيره (4/401) .
( الصواعق (221) .
(9) سمط الجواهر(198) .
(10) نهاية
السول شرح منهاج الأصول (2/402) .
ومعنى الآية والحالة هذه هو معناها بعد أن
تجمع بين القول الأول والقول الثاني .
القول الخامس : إنما المراد بأهل البيت في
الآية هو النبي وحده ، وهذا القول حكاه ابن حجر الهيتميّ قولاً ولم يعزه إلى أحد(1)
، فهو شاذٌ مرسل.
القول السادس : إن المراد من أهل البيت في آية التطهير جميع
بني هاشمٍ الذين حَرُمَتْ الصدقةُ عليهم، قالوا : فالمراد من البيت ؛ بيت القرابة
والنسب ، وهم أولائي ، لا أنّ المراد بيت السعف والطين والخشب .
وهذا القول قال
به جمع من أهل العلم , وعزاه ابنُ حجر الهيتميّ ؛ والقرطبيُّ ؛ للثعلبيّ (2)، وعزاه
في زاد المسير للضحاك ؛ والزجاج(3).
وبعض القائلين بهذا القول قالوا : هاشم
والمطلب , بناء على الخلاف الذي ذكرناه في آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقات ,
فالخلاف المذكور هناك يجري ههنا عند الذين قالوا هم الذين تحرم عليهم الزكوات
.
القول السابع : إن المراد من أهل البيت في الآية النبي الذي هو داخل في كلِّ
قولٍ ، وعليّ ؛ وفاطمة ؛ والحسن؛ والحسين وذُرِّيتهم، والعباس بن عبد المطلب
وَذُرِّيته ، أي بعض الذين تحرم عليهم الصدقات لا كلهم ، لأنّ المعتمد أن الذين
تحرم عليهم الصدقات هم عامة بني هاشم بن عبد مناف . (4)
القول الثامن : هم كلُّ
مَنْ كان من ألزام النبيِّ من الرجال والنساء من الأزواج والإماء والأقارب ، وكلما
كان الإنسان منهم أقرب وبالنبيّ أخص وألزم كان بالإرادة أحق وأجدر ، وبه قال
العلامة البقاعيّ في تفسيره نَظْمُ الدُرَرِ (5) .
القول التاسع : هم أهل مسجد
المدينة ، مسجد النبيّ ، فالمراد من أهل البيت عُمَّارُ مسجد النبيّ ، هم المسلمون
من مصلين ومعتكفين ، وبه قال بعض المتعلمين من أهل السنة ، وبه قال بعض النواصب (6)
، أو المراد بهم أهل المدينة سكان الحرم أو الذين حول الحرم .
__________
(1)
الصواعق (221) .
(2) صواعق (222) , تفسير القرطبي (14/118ـ119) .
(3) زاد
المسير (6/381ـ382) ، وأنظر الجواهر للسمهودي (199) .
(4) هذا القول يتخرّج على
فعله - عليه السلام - في حادثة الكساء و فعله - عليه السلام - مع عمه العباس
.
(5) نظم الدرر (6/102) .
(6) تفسير الألوسي ( 22/13) .
القول العاشر
: هم أهل المسجد الحرام بمكة ، والبيت هو الكعبة ، ذكره السبحانيُّ من الإمامية في
كتابه متعجباً ولم يعزه لأحد . كما ذكره الدكتور عقيل حسين (1) ، أو المراد بهم أهل
مكة سكان الحرم.
مواضيع مماثلة
للمشاركة انت بحاجه الى تسجيل الدخول او التسجيل
يجب ان تعرف نفسك بتسجيل الدخول او بالاشتراك معنا للمشاركة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى